مجدي السعيدي-تونس
“ولد العلامة عبد الرحمن بن خلدون غرة رمضان سنة 732 للهجرة الموافق 27 مايو/أيار 1332 ميلادي بدار حسبما يبدو بنهج تربة الباي القريب من جامع الزيتونة المعمور ونهج الأندلس التي استقرت به جالية أندلسية هامة، وتتكون هذه الدار من طابق أرضي وآخر علوي يحومان حول فناء مكشوف. وقد تم كساء أغلب جدران البيوت والصحن بمربعات الخزف، وقد وقع توظيف هذه الدار من قبل المعهد الوطني للتراث”.
هذه العبارات المدونة على لوحة خشبية صفراء اللون، تتصدر الجدار الخارجي لمنزل أبوابه خضراء، وتتضمن وصفا لدار لا تزال تروي تاريخ مولد أحد أكبر المؤرخين في التاريخ العربي، هو البيت الذي رأى فيه العلامة عبد الرحمن بن خلدون صاحب كتاب “المقدمة” الشهير النور ونشأ فيه في أسرة عربية انتقلت من تونس إلى إشبيلية عندما بدأ الإسلام بالدخول إليها وعندما شارفت على السقوط.
في ذلك المنزل بمنطقة باب الجديد، أحد أبواب مدينة تونس العتيقة، وفي أول أيام شهر رمضان للعام 732 للهجرة، ولد ولي الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن الحسن بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن خلدون، المعروف اختصارا باسم ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع وأحد من ضجت المجالس بذكرهم في القرن الـ 14 ميلادي.
قيمة تاريخية
لا يزال المنزل القريب من جامع الزيتونة ضاربا في الشموخ والأصالة فقد كست جدرانه مربعات الخزف المخطوط عليها زخارف كانت في ذلك الزمن حكرا على الأثرياء.
وتمثل تلك الدار قيمة رمزية وحضارية لا تقدر بثمن مما دفع وزارة الثقافة في تونس إلى الإعلان رسميا عن تحويل تلك البناية إلى متحف حضاري وتاريخي يضم أعمال ابن خلدون ومؤلفاته والكتب التي روت سيرته وحياته الأدبية.
وتعمل وزارة الثقافة على إعادة إحياء وترميم العديد من المعالم الثقافية والتاريخية والدينية بالمدينة العتيقة على امتداد العام الجاري ضمن برنامج متكامل بمناسبة الإعلان عن تونس عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2019، بحسب ما صرح للجزيرة نت مدير المعهد التونسي للتراث فوزي محفوظ.
وقال محفوظ “المنزل الذي ولد به العلامة ابن خلدون له رمزيته الحضارية والعلمية والتاريخية وهو يأتي ضمن المعالم التي تعمل تونس على إعادة ترميمها وجعلها متحفا للزوار للاطلاع على الموروث الثقافي خلال الفترة التي نشأ فيها العلامة”.
وتابع أن ترميم دار ابن خلدون سينطلق خلال الأشهر القليلة المقبلة حيث سيتم تحويل جزء منها إلى متحف لآثاره وسيخصص الجزء الأكبر لإنشاء متحف “عصر ابن خلدون” ويضم كل المخطوطات والآثار الأدبية والحضارية التي شهدتها تونس خلال العهد الحفصي بما أنها كانت منارة علمية لها وزنها في المنطقة.
ويعد ابن خلدون أحد أهم الفلاسفة والمؤرخين وعلماء الاجتماع في التاريخ العربي، وقد درس في جامع لا يبعد عن مسقط رأسه سوى بضعة أمتار، ولا تزال تتصدره لوحة رخامية كتب عليها “في هذا المسجد درس العلامة ابن خلدون”.
حفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظافره، ودرس علوم اللغة العربية من نحو وصرف وعلم الكلام واللسان على يد كبار المعلمين بتونس في تلك الفترة ولازم مجالسهم إلى أن أصبح ذا علم وبلاغة كما درس العلوم الشرعية والفقه والحديث والمنطق بجامع الزيتونة المعمور منارة العلم والأدب والفقه والدين.
فقد ابن خلدون والديه بسبب وباء الطاعون الذي ضرب تونس عام 1348-1349 م وكان عمره آنذاك 17 عاما.
وفي سن 23 أُعجب بابنة القائد محمد بن الحكيم فتزوجها وكان عمره آنذاك 23 عاما في العام 755 هجري الموافق 1354 ميلادي، وفي مدينة فاس وضعت زوجته مولودا أسمياه زيدا.
ترك ابن خلدون آثارا ومؤلفات كثيرة، كما كتبت عن سيرته وعلمه عديد الدراسات والمدونات، وتحولت آثاره إلى مراجع في الفلسفة والتاريخ والأدب.
ويعد كتاب “العبر” -الذي كان يتكلم بالأصل عن تاريخ البربر لكنه توسع لاحقًا في التركيز على التاريخ العالمي- أحد أبرز مؤلفاته وينقسم إلى سبعة كتب، أولها “مقدمة” يمكن اعتبارها عملًا منفصلا، والكتب من الثاني إلى الخامس تغطي تاريخ البشرية حتى وقت ابن خلدون، أما الكتابان السادس والسابع فيغطيان تاريخ الشعوب البربرية والمغرب.
ولا تزال “مقدمة ابن خلدون” أضخم مؤلف لذلك العلامة حيث تناول فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه والإلمام بمغالط المؤرخين، وتضمن المقولة الشهيرة “التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق”.
المصدر : الجزيرة