إنه الفنان العبقرى الذى يعرف ذلك عن نفسه، ويتباهى بعبقريته، فأطلق على مذكراته “يوميات عبقرى”، فهو المجنون والعاشق المهوس الذى غطى نفسه بروث الماعز لجذب زوجته، والبديع صاحب الأعمال المميزة التى تصدم المشاهد بموضوعها وتشكيلاتها وغرابتها.
هكذا كان الفنان التشكيلى سلفادور دالى، الذى تمر اليوم الذكرى الخامسة عشرة بعد المائة على ميلاده، إذ ولد فى 11 مايو عام 1904، بمقاطعة جرندا الإسبانية، ورحل فى 23 يناير عام 1989 بمقاطعة كتالونيا الإسبانية.
عند “دالى” يختلط الجنون بالعبقرية، لكن دالى يبقى مختلفاً واستثنائياً، فى فوضاه، فى إبداعه، فى جنون عظمته، وفى نرجسيته الشديدة، وكذلك بشخصيته وتعليقاته وكتاباته غير المألوفة والتى تصل حد اللامعقول والاضطراب النفسى.
ويمكن القول أن تأثر سلفادور دالى وإلهامه الفنى، لم يكن وليد الطبيعة أومواقف صنعته له الظروف، لكن أيضا كان للطب النفسى بعدا مهما فى تكوين نظرية “دالى الفنية” فبحسب الكاتب فادى أسعد فرحات، فى كتابه “حدث فى مثل هذا اليوم الجزء الثاني” أنه فى أواخر العشرينيات من القرن الماضى، حدث أمرين أديا إلى تطور أسلوبه الفنى، الأول هو اكتشافه لكتابات الطبيب النفسى والفيلسوف سيجموند فرويد، عن الأهمية الجنسية للصور اللاشعورية، والأمر الآخر هو انتسابه إلى سريالى باريس، وهى مجموعة تضم فنانين وكتاب.
ووفقا لكتاب “مدارس التصوير الزيتى” للدكتور أسامة الفقى، فإن السريالية هدفها التعبير عن العقل الباطن دون رقابة من العقل والمنطق فهى حسب تعبير أندريه بريتون آلية أو تلقائية نفسية خالصة، من خلالها يمكن التعبير عن واقع اشتغال الفكر إما شفويا أو كتابيا، وقد كانت لكتاب “تفسير الأحلام” الذى نشر عام 1900، أهميته القصوى عند السرياليين، لتطوير طرقهم نحو الخيال، حيث أرادوا تحرير الإنسان من العقلانية الزائفة والعادات المقيدة، وهكذا جمعت السريالية بين مظاهر الدادية المناهضة للمنطق وبين استلهام عالم الأحلام الغير مقيد برقابة العقل الواعى.
وحسبما تشيرعدد من التقارير، كان سلفادور دالى قرأ كتاب تفسير الأحلام لسيجموند فرويد، عندما كان طالبا فى مدريد فى أوائل العشرينيات، وكان هذا -كما قال لاحقا- من أهم اكتشافات حياته، وتمكن من خلاله، ليس فقط من تفسير أحلامه، ولكن كل ما حدث فى حياته. وفى عام 1938، وبعد عدة محاولات، التقى دالى فرويد، الذى وصل إلى لندن بعد فراره من فيينا التى احتلها النازيون، وفى تلك الزيارة سمح فرويد لدالى برسمه.