عرفت المسيرات عبر الوطن في الجمعة العشرين من الحراك “تعبئة قوية” بسبب تزامنها مع العيد الوطني للاستقلال و الشباب الذي كان فرصة لتجديد مطالب “التغيير الجذري للنظام السابق” و “مزيدا من الحريات الديمقراطية”،
ففي ولايات الوسط، خرج المواطنون من مختلف الاعمار في الشوارع الرئيسية لتيزي وزو، البويرة، بجاية، المدية، بومرداس، تيبازة، البليدة، الشلف، وعين الدفلى، وسط أجواء احتفالية مرددين النشيد الوطني الذي ميز مسيرات اليوم عن المسيرات السابقة.
وطالب المتظاهرون ب”محاكمة المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد واختلاس الأموال العمومية” وكذا “اطلاق سراح المعتقلين السياسيين” . كما أكد بعض المتظاهرين “رفض أي حوار أو انتخابات في حال لم يرحل جميع رموز النظام السابق” والتأكيد على “رفض الفراغ الدستوري وتمسكهم بالوحدة الوطنية”.
بشرق البلاد، لوحظ نفس الحماس لدى المتظاهرين، رغم حرارة الجو المرتفعة، اذ رفع الجمهور الراية الوطنية و هم ينادون بضرورة “اعادة السلطة للشعب الذي هو مصدرها “. كما طالبوا ب “رحيل جميع رموز النظام السابق” و “كل من نهب خيرات البلاد”.
و أكدت الجموع بميلة و أم البواقي “مواصلة الحراك الشعبي من أجل جزائر جديدة” حاملين شعارات من بينها “سنواصل حراكنا إلى غاية بناء دولة كفاءات” . فيما طالب آخرون بـ”مرحلة انتقالية بقيادة وجوه نزيهة و نظيفة”.
و بساحة الثورة بمدينة عنابة تجمع مئات المواطنين حاملين صورا لشهداء ثورة التحرير الوطنية و لافتة كتب عليها “سنبقى أوفياء لكم” . فيما رفع آخرون مطلب “لا حوار بدون حرية التعبير”.
و بعاصمة الأوراس باتنة تحدى المتظاهرون أيضا الحرارة الشديدة حاملين الراية الوطنية و ساروا وسط المدينة مرددين أناشيد وطنية و مطالبين بـ”رحيل العصابة” و بـ”دولة مدنية”.
نفس الوضع عاشته ولايات الطارف وسكيكدة و خنشلة و المسيلة اين ردد المواطنون شعارات “الجزائر حرة ديمقراطية” و دعوا الى “احترام رموز الثورة”.
في غرب الوطن، جابت وفود من المواطنين الشوارع الرئيسية للمدن، على غرار وهران، ومستغانم، و تيارت، معسكر، سيدي بلعباس، تلمسان، البيض، سعيدة وتيسمسيلت، اين رفعت لافتات مكتوب عليها شعارات تدعوا إلى تكريس المزيد من الحريات وإرساء دولة القانون . وردد المتظاهرون هتافات تدعوا إلى تعزيز الوحدة الوطنية واستخلاص الدروس من نضال وكفاح الجزائريين في مقاومة الاستعمار الغاشم.
كما عرفت هذه المسيرة رفع شعارات تبرز الإصرار على مواصلة الحراك حتى يتم تحقيق المطالب الشعبية على غرار تغيير النظام السابق وتوفير الظروف التي تسمح بتنظيم انتخابات رئاسية في كنف الشفافية و”احترام السيادة الشعبية” و”المواصلة في محاربة الفساد”.
للملاحظة، شهد وسط مدينة النعامة وكذا عين الصفراء مشاركة معتبرة من المواطنين بالرغم من حرارة الجو ملحين على ضرورة الاستجابة لمطالب الحراك الشعبي.
وفي مناطق الجنوب، نظمت مجموعات صغيرة من المتظاهرين مسيراتها بعد صلاة الجمعة في كل من ورقلة والاغواط للدعوة الى التغيير السياسي. وسار قرابة الثلاثين متظاهرا عبر الاحياء الرئيسية لمدينة ورقلة، وأيضا حوالي عشرين آخرين تجمعوا في مكان “المقاومة” في الأغواط قبل ان يتفرقوا جراء الحرارة الشديدة التي تعرفها المنطقة. كما برمجت مسيرات لما بعد صلاة العصر في ولايات جنوبية أخرى كتندوف وغرداية.
للإشارة فإن هذه المسيرات عبر الوطن جرت في هدوء و في ظل انتشار لافت لعناصر الأمن الوطني عبر مناطق مختلفة من هذه المدن تفاديا لأي انزلاقات محتملة.
و حافظت الجزائر العاصمة، يوم الجمعة، على الأجواء التي ألفتها منذ قرابة خمسة أشهر بخروج المتظاهرين إلى شوارعها و ساحاتها تأكيدا لإصرارهم على القطيعة مع كل الوجوه و الممارسات المتصلة بالنظام السابق. هدف جددوا تشبثهم به في ذكرى عيدي الاستقلال و الشباب.
فعلى غرار المشهد الذي أضحى السمة المميزة لكل مناطق البلاد، اجتاح المتظاهرون، الذين لوحظ أن عددهم كان أكبر من الجمعة السابقة، أهم شوارع و ساحات الجزائر العاصمة مسجلين بذلك إرادتهم في المضي قدما نحو تحقيق ما دأبوا للخروج من أجله منذ 22 فبراير المنصرم: إرساء أسس دولة الحق و القانون التي تعود فيها الكلمة للشعب السيد وتكريس الديمقراطية الحقة مع تمكين الكفاءات الوطنية النزيهة من تسيير شؤون البلاد.
و قد كانت هذه الجمعة المتزامنة مع الذكرى57 لعيدي الاستقلال والشباب يوما له دلالته الخاصة، حيث كان العلم الوطني المرافق الملازم لكل المتظاهرين، في إشارة واضحة إلى أنهم جزائريون قبل كل شيء، في حين دوت الأهازيج والأغاني الوطنية في كل جوانب العاصمة التي اتشحت حصريا بالأحمر و الأخضر و الأبيض إلى جانب بورتريهات لشهداء الثورة التحريرية.
و مثلما جرت عليه العادة، تواصل توافد جموع المواطنين، عقب صلاة الجمعة، على الساحات والشوارع الرئيسية للعاصمة، و بوجه أخص الفضاءات المحاذية لساحة البريد المركزي و ساحة موريس أودان، علاوة على شوارع زيغود يوسف والعقيد عميروش و حسيبة بن بوعلي و ديدوش مراد وكذا نهج باستور، أين انتشر المتظاهرون في جماعات أخذت أحيانا شكل مربعات، و كل ذلك في ظل حضور أمني مكثف.
و قد تم تسجيل وقوع مناوشات بين عدد من المتظاهرين و قوات الأمن.وذكر مصدر أنه تم توقيف مجموعة من هؤلاء وتحويلهم نحو الأمن الحضري “من أجل التحقق من هوياتهم قبل إطلاق سراحهم”.، في حين “سيتم تقديم من وجد بحوزته أسلحة بيضاء أو ممنوعات أمام وكيل الجمهورية”.
تتوالي أيام الجمعة التي بلغ عددها العشرون، و رفض بعض المتظاهرين الحوار في ظل وجود “بقايا العصابة” قائم لا يتزحزح. الأمر الذي بدا جليا من خلال لافتات حملها لمحتجون.
فمن خلال شعارات “ارحلوا” و”لا لرسكلة النظام”، و هتافات “57 سنة بركات”، شدد البعض منهم مجددا على ضرورة رحيل كل رموز النظام السابق “الفاسد” دون استثناء، كشرط غير قابل للنقاش للجلوس إلى طاولة الحوار الذي دعا إليه مجددا رئيس الدولة عبد القادر بن صالح في رسالته للأمة بمناسبة عيد الاستقلال.
و بغية “إبعاد أي تأويل أو سوء فهم”، سجل بن صالح الالتزام بأن “الدولة بجميع مكوناتها، بما فيها المؤسسة العسكرية لن تكون طرفا في هذا الحوار و ستلتزم بأقصى درجات الحياد” طيلة مراحل هذا المسار.
و من جهته، كان نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الشعبي الوطني، الفريق أحمد قايد صالح قد ذكر أمس الخميس بأن بعض المسؤولين الذين شغلوا مناصب عليا في الدولة “لم يكونوا في مستوى هذه المسؤولية ولم يكونوا في مستوى الثقة التي وضعت فيهم” وهم بذلك “يستحقون الجزاء العادل الذي نالوه بالقانون والحق والإنصاف”.
كما تجدر الإشارة في السياق ذاته إلى أن مسيرات اليوم تأتي عشية انعقاد جلسات الحوار الوطني التي تعد مبادرة سياسية ترمي إلى وضع تصور وآليات للخروج من الأزمة و”الذهاب في آجال معقولة الى تنظيم أول انتخابات رئاسية ديمقراطية في تاريخ البلاد”، حسب ما أوضحه منظمو هذا اللقاء.
المصدر الجزائر و.أ.ج