يحتفل محرك البحث العالمي غوغل بالشاعر المسلم وعالم الرياضيات الكبير عمر الخيام الذي تحل اليوم 18 مايو/أيار ذكرى ميلاده الـ971، إذ ولد قرابة عام 1048 للميلادية.
ويعد الخيام من كبار شعراء وفلاسفة بلاد فارس، وعاش في عصر السلاجقة معاصرا ملوكها ألب أرسلان وملكشاه، ونشأ في مدينة نيسابور حاضرة خراسان التي قضى معظم حياته فيها وتأثر بأحداثها، فهو نيسابوري بامتياز.
ودلت المصادر المختلفة على تمتع الخيام بذكاء استثنائي وبراعة ذهنية خارقة جعلته يلم بالكثير من علوم عصره وينبغ فيها، مثل الرياضيات والفلك والطب والفلسفة والمنطق والطبيعيات وكذلك الفلسفة والأدب والعلوم الإلهية.
وكان عصر الخيام سياسيا، فهو عهد حكم الأتراك لبلاد فارس، وتغيرت تبعا لذلك أوضاع البلاد الاجتماعية والسياسية. ومن الناحية الدينية نشطت العلوم اللغوية الإسلامية والقرآنية والفقهية والكلامية وعلم الحديث في ذلك العصر، وكان النزاع بين السنة والشيعة على أشده أيضا.
وكانت نيسابور مركزا علميا مهما في خراسان، فهي التي عرفت الفخر الرازي والإمام الغزالي، وفيها قام الخيام بدراساته العلمية حول الجبر والرياضيات والفلك.ورغم شهرته كفيلسوف فقد كان عالم رياضيات من الطراز الأول، وأسهم في تحديد التقويم الفارسي المتبع إلى اليوم، كما اخترع طريقة حساب المثلثات ومعادلات جبرية من الدرجة الثالثة بواسطة تقنية قمع المخروط، وتولى الرصد في مرصد أصفهان، وحلَّ معادلات الدرجة الثانية بطرق مبتكرة ونظم المعادلات التكعيبية.
ومع ذلك، عاش الخيام حياة ملؤها الألم وزهد فيها وتشاءم منها، وشعر بالغربة في مدينته التي صارت من دون صديق يفهمه أو خليل يواسيه، وبدت نزعة التشاؤم هذه واضحة في شعره، إلى جانب الزهد والعزوف عن الحياة. يقول في بعض أبياته:
كقطرة عادت إلى الخضم أو
كذرة قد رجعت إلى الثرى
أتيت للدنيا وعدت حاكيا
ذبابة بدت وغابت أثرا
ويقول أيضا معبرا عن حيرته وتقلب أحواله:
يزداد حيرة قلبي كل داجية
والدمع حولي مثل الدر مسكوب
لا يمتلئ جام راسي من وساوسه
وليس يملأ جام وهو مقلوب
ورغم أن الخيام حظي باحترام الأمراء ورجال الدولة في عصره، فإنه عانى نفسيا مما شاهده عن قرب من أحداث عصره المؤسفة وظروف الحياة القاسية، بما في ذلك التعصب المذهبي واستغلال التمذهب لأغراض سلطانية ومعارضة الفلاسفة للفقهاء والسجالات السياسية والدسائس والمؤامرات؛ فجاءت أشعاره تفيض ألما وتمتلئ بمناجاة وهمسات من الأسى والهم والجزع.
تساقطنا كطير في شباك
نعاني من أذي الدهر اهتضاما
ونخبط في فضاء ليس يبدو
له حدٌّ ولم نبلغ مراما
عالم أم داعية خمر؟
يرى السيد حسين نصر أن من “الاختزالي” استخدام التفسير الحرفي لأشعاره -خاصة أن كثيرا منها غير موثوق به أصلا- لوصف فلسفة عمر الخيام. بدلا من ذلك، تقدم ترجمة خيام التفسيرية لعمل ابن سينا “خطبة التوحيد” إشارة إلى اعتناقه للآراء الإسلامية التقليدية عن التوحيد الإلهي.
كما أن الأعمال النثرية التي يعتقد أنها كتبت بواسطة الخيام اعتبرت إيمانية ومتشائمة، وتتناول مواضيع مثل وجود الله، وكدليل على إيمان الخيام ومطابقته للتقاليد الإسلامية يرى الباحث مهدي أمينرازاوي أنه في كلماته يقدم ويستفتح بالتحية والحمد والصلوات، ويثني على الله والنبي محمد عليه السلام، كما أن ألقابه التي اشتهر بها تتضمن وصفه بالإمام و”غياث الدين”.
كما يلاحظ أن كتاب السير الذاتية الذين يشيدون بتدينه يتجنبون عموما الإشارة إلى شعره، في حين أن الذين يتناولون أشعاره غالبا ما لا يمتدحون شخصيته الدينية، وعلى سبيل المثال كتب البيهقي عن الخيام باعتباره رجلا متقيا للغاية واعتنق وجهات النظر الإسلامية التقليدية حتى آخر ساعة له.
وعلى كل حال، يظل التساؤل عن شخصية وفكر الخيام مفتوحا، ونتيجة لذلك تتلقى سيرته الذاتية تقديرا وانتقادات متضاربة للغاية.
وأجاد الخيام اللغة العربية وكتب بها شعرا ونثرا، ورغم أنه كان مقلا في الإنتاج الشعري سواء بالفارسية أم بالعربية كما سنرى، فقد حفظت بعض أبياته بالعربية التي كانت لغة العلوم والثقافة في إيران حتى القرن العاشر الهجري، بحسب المؤرخ شوقي ضيف في كتابه عصر الدول والإمارات.
ومن الدلائل على عدم نسبة العديد من رباعياته وقصائده الخمرية إليه، أن شعره بالعربية محدود بالغاية مقارنة بكل هذا العدد من الرباعيات الفارسية التي قيل إنها بلغت الألفين، بحسب الباحثة في تراث الخيام تغريد زعيميّان.
وبخلاف الجدل الطويل حول صحة نسبة الرباعيات الفارسية إليه، فلم يطعن أحد في صحة شعره العربي الذي يبدو فيه قدر من الإيمان والالتزام، مقارنة بالشك والتفلسف وروح التمرد واللذة في الشعر المنسوب له بالفارسية.
تعدد الخيامين
لتفسير التعارض بين الخيام العالم والمؤمن والخيام المتغزل بالخمر، برزت عدة نظريات أبرزها “تعدد الخيامين”؛ فبحسب المؤرخ المعاصر محمد الطبطبائي وغيره هناك ثلاثة أو أربعة اشتهروا باسم “الخيام”.
أولهم الخيام الشاعر الأصلي واسمه علي الخيام البخارائي، وكان معاصرا لعمر الخيامي، وأنشد الشعر بالفارسية والعربية وله ديوان وجد في النصف الثاني من القرن السابع الهجري في أذريبجان قبل أن يفقد لاحقا، والثاني هو الخيامي الحكيم “المعروف بعمر الخيامي النيسابوري” وهو الذي اشتهر ببراعته في الفلسفة والرياضيات.
وبخلاف الشاعر والفيلسوف، هناك خيام ملفق منهما معا مبثوث في روايات اللاحقين، أخذ من علي شاعريته ومن عمر فلسفته، وأيضا ثمة خيام رابع عرف باسم عمر الخيام الاسترآبادي الذي اشتهر بكتابه “طربنامه” وهذا الأخير هو من أدخل شعر الخيام في عالم الخمريات وكتب غزليات كثيرة في الخمر والسكر واللذة لم تثبت للفيلسوف والعالم “عمر الخيامي” الحقيقي.
ويدور جدل كبير بين الباحثين والمؤرخين حول حقيقية نسبة رباعيات الخيام للفيلسوف والعالم عمر الخيام، ولعل نظرية “تعدد الخيامين” تفسر جانبا من هذا الالتباس، فمن أشعار الخيام المنسوبة إليه بالعربية، قوله:
أصوم عن الفحشاء جهرا وخفية
عفافا وإفطاري بتقديس فاطري
وكما يبدو من البيت الشعري تناقضه مع خمريات الخيام المشهورة بفلسفة اغتنام اللحظة وعيش اليوم بيومه ومذهب التلذذية.
ومن أشعاره الفارسية المترجمة أيضا، قوله:
ليس الوجود وعمرنا الفاني سوى
وهم وتضليل وحلم رقادِالمصدر : الجزيرة
المصدر : الجزيرة