بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك، تبين لنا أن ننشر الوثيقة التاريخية المطالبة بالمدد من قاضي الجزائر الى صلطان الدولة العثمانية في بداية القرن السادس عشر. رسالة فذّة تبيّن، بوضوح، بطش الصليبيين الإسبان على أبناء أمة الإسلام، في الاندلس و الجزائر، رغم كل ما قدمته من فنون و آداب وعلوم طيلة سبعة قرون.
بقلم محند بري
بسم الله الرحمن الرحيم
” وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”
صدق الله العظيم
( سورة الذاريات/ آية 55)
” مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”
( حديث نبوي)
إن هذه الوثيقة تبين بوضوح، فهم أسلافنا لدينهم، حيث، ما فتأت أن تكون في سلوكهم، كل المعاملات عبادة وعبادة الله، سبحانه وتعالى، هي الأولى.
هكذا كان الجهاد ميزان العبادة و المعاملة والتوحيد روح الإيمان وقوة انسجام الامة.
كما هو واضح في هذه الرسالة، مباشرة بعد سقوط وهران و بجاية، تحت اقدام الغزاة الكفرة، طالب علماء ومجاهدين الجزائر العون و المدد، من اخوانهم العثمانيين، القوة الضاربة و الحصن الحصين، آنذاك، للأمة.
هكذا تغيرت جذريا موازين القوى، بين الجزائر ورموز الظلم و الغطرسة، حيث فرضت نفسها بلادنا، بعون الله و تضامن احرار الامة، كدولة مهابة محترمة في كل البحر الأبيض المتوسط.
هكذا جاهد و اجتهد الجزائري
لمدة اكثر من أربعة قرون على الدين و العرض و الأرض .هكذا حافظ
المجد و الخلود لشهدائنا.
ماذا نعرف بالضبط عن أمجاد رجالنا، في البحار؟
ماذا نعرف عن صناعة اساطيلنا وأسلحتنا؟ ماذا نعرف عن التكوين العقائدي، الاستراتيجي والتقني لجيوشنا؟
ماذا نعرف عن نوعية ارتباط اهلنا، في قرى ومدن الجزائر، بإدارة الحروب؟
القليل…القليل
رغم وجود مئات الاطنان من الأرشيف في تركيا ورغم الصداقة، بل الاخوة الجزائرية- التركية المزايدة.
لماذا اللامبالاة والتهاون بهذه الفترة المهمة من تاريخينا؟
هل كل ما يرمز للقوة وللانبعاث، في تاريخ الجزائر، مضر لهذه الدرجة للوبي النقاق و الردة؟
كل هذا مهم.
بل إن كل هذا أساسي لأن ذخيرة الأمة في ذاكرتها التاريخية.
لا سيما عندما توظف ذات الذاكرة أحسن.
1511 أليست فلسطين اليوم في ما كانت عليه جزائر
أليست هي التي تستنجد منذ 1948
على الجزائري الحر الابي ان يعرف ان بعد كايم دايفيذ، الذي حيّد مصر، و بعد العدوان الثلاثيني الذي دمر العراق، و بعد الازمة التي خرّبت و لا زالت تخرّب، سوريا و اليمن وليبيا، منذ2011 فإن الجزائر هي اليوم الدولة الوحيدة، لنصرة شعب فلسطين، في الساحة العربية.
معركة الذاكرة هي ذاتها معركة المستقبل.
والذكر جهاد.
عيدكم مبارك ان شاء الله
عيد مبارك لكل ابناء الامة، خاصة ابناء فلسطيننا الحبيبة.
عيد مبارك لشعبي الغالي، الشعب الجزائري ولكل بناته و ابناءه الأوفياء لأسلافهم من العلماء و المجاهدين.
الرسالة التي ارسلها اهل الجزائر للسلطان سليم الاول لطلب الانظمام للسلطنة العثمانية بحوالي 1511م.
نص الرسالة
المكتوب الوارد
من قاضي الجزائر وخطيبها وفقهائها وأئمتها وتجارها
وأمنائها وعامة أهلها.
بعد الدعاء لمقام السلطان العالي بالنصر والسعادة والهداية إلى العمل الصالح أكتب إليكم عن الأحداث الواقعة في مدينة الجزائر .
إن مقامكم العظيم له من الحظوة القصوى والإحترام الرفيع عندنا خصوصا بعدما ذاع صيتكم وذُكرت أيّامكم ، ونحن نشعر بالفخر والإعتزاز معلنين ولاءنا لكم انطلاقا من ثقتنا العالية بكم وهذا هو شعورنا سواء كان ظاهرا أم باطنا، وننتظرأوامركم السامية لنا، وكونوا مطمئنين أننا لا نشعر تجاهكم إلا بالتوقير والتعظيم، ومتمنين لمقامكم الشريف العزة والسّؤدد، وموقفنا هذا نابع من عاداتنا وتقاليدنا فيتبجيل كافة المؤمنين من أولياء الله المؤيّدين بنصره والمظفرين في إلحاق الهزيمة بالكفار كما وردت لنا الأنباء بذلك ، ونفصل إليكم الوضع على النحوالتالي:
بعد أن استولت الطائفة الطاغية على الأندلس انتقل شرّها إلى قلعة وهران ومن ثم خططت للإستيلاء على سائر البلاد وحصلت على موطئ قدم في بجاية وطرابلس أما مدينتنا الجزائر فقد بقيت بعيدة عن دينهم ولكنها أصبحت كالغريب وسط هؤلاء، وضيق علينا أهل الكفر من كل جانب وماكان منّا إلا أن استنفرنا كافة جهودنا ولجأنا إلىالله الناصر المعين، ولكنّنا قمنا بدراسة الموقف من عدة وجوه خصوصا بعد أن طلبت الطائفة الطاغية منا أن ندخل تحت ذمّتها، وقد اضطررنا أن نقبل الصلح مع الكفار بعداشتداد وطأة المحنة علينا وخوفنا على أنفسنا وعلى حريمنا وأولادنا من السبي وأموالنا من السلب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
بعد هذه الضائقة
جاءالكفار واستولوا على وهران وبجاية وطرابلس، ومن ثمّ قصدوا إلينا بسفنهم
للاستيلاء على مدينتنا وايقاعنا في حبائل أسرهم وتفريق شملنا، إلا أن قدوم أوروج
بك
مع نفر من المجاهدين في سبيل الله وحماة أهل الدين
والمسلمين غيّرالأمر، وقد فرحنا
بقدومه واستقبلناه بكل إكرام خصوصا أن هذا المدد قد
حررنا من عقدة الخوف بفضل الله
تعالى ، وكان المشار إليه أوروج بك قد قدم على باجة إحدى
المدن التونسية قبل قدومه
إلينا ، وقصده من ذلك تحريرها من دنس الكفار ودعم
إخوانناالمسلمين فيها، وقام
بمحاصرة قلعتها بمعاونة المجاهد الفقيه الصالح أبو
العباس أحمدبن القاضي، وقاما
بتوجيه ضربات ساحقة للكفار عن طريق هدم القلعة وبثّ
الخوف في صفوف الأعداء، وهكذا استطاعا الدخول إلى القلعة على مرأى من الكفّار،
وكانت هناك مجموعة من المجاهدين استطاعت أن تسيطر على أحد أبراج القلعة وهكذا
دخلوها عنوة، وقد فر ّ بعض الكفار والبعض الآخر قتل في انتظار نار جهنم التي أعدها
الله للكفار. وقد قاتل المجاهدون
ضد الكفار قتالا عظيما وأبدوا مشاهد مثيرة من البسالة
والإقدام ليلا ونهارا من شروق
الشمس حتى غروبها .
وقد قدم إلينا المشار إليه أوروج بك في قلة من أصحابه ليكونوا عونا لنا في قتالنا ضد أعداء الدّين وهذا هو السبب بالذات الذي حررنا من عقدة الخوف من الأعداء .
وقد نال المشار إليه أوروج بك مرتبة الشهادة في معركة تلمسان وحل محله في قيادة المجاهدين شقيقه أبو التّقى خير الدين،وكان خير خلف لأننا لم نعهده إلاّ متبعا للشرع الشريف وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولم يثبت عليه إلا التّعظيم لمقامكم ودأبه على الجهاد لإعلاء كلمة الله،وبذلك نال محبة الجميع واحترامهم ، وكيف لا ينالها وهو أتى بقلب سليم ونية صادقة للجهاد في سبيل الله . مقدما عليه بكل بسالة وإقدام، مضحيا براحته منفذا لأمر الله تعالى بالجهاد ومنطلقا من عقيدة إيمانية كأنها كوكب وهاج .
وأودأن أعلمكم
أن خير الدين قد نوى زيارتكم إلا أن أعيان البلدة المذكورة قد رجوه بالتخلي عن
فكرة الزيارة حاليا لعدم زوال خطر النصارى الكفار، وبدلا منه اتفقنا على ارسال
العالم الفقيه سيد أبوالعباس أحمد بن علي بن أحمد وأرسلناه إلى حضرتكم فعلا، ويحمل
منا رسالة ولاء لمقامكم الرفيع، واعلم ياسيدي أن اقليم بجاية وأهالي الشرق والغرب
في خدمتكم ، وأن
ما حدث في هذه الديار قد تم شرحه لكم في هذه الرسالة.
والسّلام عليكم
ورحمة
الله وبركاته
كتب في أوائل شهر ذي القعدة من عام 925هجري.
وقد تم