“نبي العصيان”، “الثوري المتمرد”، إسمان ارتبطا بشخصية الأديب الجزائري كاتب ياسين، الذي برع في الرواية والمسرح والشعر.
كتاباته أثارت الكثير من الجدل في الجزائر وخارجها، قاوم الاستعمار الفرنسي منذ صغره، لكنه أجاد لغة فولتير بالمقابل، ونحت اسمه إلى جانب كبار الأدباء الفرنسيين، وترجمت أعماله لأكثر من لغة.
ولد ياسين في 6 أغسطس 1929، بمدينة قسنطينة العتيقة، لأسرة أمازيغية متواضعة، أرسلته إلى كتّاب في سوق اهراس أقصى الشرق، حيث درس القرآن بضعة أشهر، قبل أن يدخل المدرسة الفرنسية بولاية سطيف، حيث تدرج سنواته الابتدائية، التي انتهت بتوقيفه إثر مشاركته في أحداث الثامن من مايو 1945، وهي مظاهرات جماهيرية عارمة شهدتها كل من سطيف وقالمة وخراطة، غداة نهاية الحرب العالمية الثانية، إذ طالب المحتجون فرنسا بالوفاء بوعد منح الاستقلال للجزائر، عقب مشاركة جزائريين في حربها ضد ألمانيا النازية.
اعتقل الشاب كاتب ياسين سنة كاملة، وهو لم يتعد بعد 16 سنة ربيعا، وتسبب ذلك في مرض أبيه الذي اعتقد أنه قضى خلال تلك الأحداث.
خلال فترة سجنه، كتب ياسين أول مجموعة شعرية له تحت عنوان “مناجاة”، والتي نشرها سنة 1946، مباشرة بعد خروجه من المعتقل.
في سنة 1947 انتقل كاتب ياسين إلى فرنسا، حيث التقى كبار الأدباء هناك، واحتك ببعض المفكرين، من أمثال ألبير كامو الذي أسس وإياه جريدة “الجزائر الجمهورية” (Algérie républicaine) سنة 1948.
ويقول الناشط الأمازيغي الهاشمي مزيود عن الفترة التي أقام فيها ياسين بفرنسا، “إنها صقلت تجربته الفكرية وجعلته أكثر موضوعية في معالجة قضايا مجتمعه”.
وفي حديث لـ”أصوات مغاربية”، أوضح المتحدث أن احتكاك ياسين بكبار المناضلين الجزائريين في المهجر، وخاصة في فرنسا، جعله أكثر قربا من واقع القضية الجزائرية في تلك الفترة.
“لقد نشط العديد من الملتقيات الفكرية حول الفكر التحرري، وكثيرا ما ركّز على ضرورة عودة شعوب الشمال الأفريقي إلى أصولها الحقيقية، لتحقيق التحرر الشامل” يردف الهاشمي مزيود.
روايته “نجمة“، التي أصدرها سنة 1956، كانت أكثر أعماله شهرة، بحسب الناشط والمحلل السياسي الجزائري لعربي زوايمية، إذ دفع الحس السياسي لكاتب ياسين إلى الغوص في خصائص الشخصية الجزائرية، ومعالجة قضايا وطنه بعمق، رغم كتابته بالفرنسية.
وفي حديث لـ”أصوات مغاربية”، يذكرنا زوايمية بما قاله كاتب نفسه عن روايته “هل ماتت نجمة حينما كتبتها بالعربية؟”.
ويقول زوايمية في حق ياسين “هو مجدد الفكر بالجزائر، ياسين من طينة الكبار وروايته نجمة أحدثت ثورة في الكتابة المغاربية جمعاء”
ويتابع زوايمية بالقول “ليت ياسين يعود ليشاهد بأم عينيه ما كان يحذر منه، التطرف باسم الدين، والذود عن الزائل بدل المتأصل”.
“لقد اكتشفت أن هناك جزائريين، يفهمون الواقع جيدا ويتابعون بشغف تطور الفكر، لقد أبهرني أولئك الذين يجلسون بالمقاهي، اكتشفت جمهورا لم أكن أعرفه”، يقول كاتب ياسين في أحد حواراته.
وإذ يعدّ العربي زوايمية مناقب ياسين، يستنكر سلوك بعض الجزائريين، الذين “كفروه بسبب فكره المتحرر من قيود الاعتقاد”.
“يحزنني ما أسمع عنه من شباب لا يعرف قيم التحرر، التي دافع عنها هو حين كان شابا يافعا ضد المستعمر، بل وضد التدين المتسلط على العقل” يردف المتحدث نفسه.
في 1970 عاد كاتب ياسين إلى الجزائر، واستقر بمدينة سيدي بلعباس حيث شغل منصب مدير للمسرح الجهوي غربي الجزائر.
وخلال الفترة التي قضاها بالجزائر، شعر ياسين ببعض الغربة، إذ رأى أن المجتمع بدأ ينسلخ من شخصيته الأمازيغية، لصالح توجه جديد نحو الشرق، وهو ما ندد به في عدة لقاءات تلفزية قبيل وفاته.
توفي ياسين سنة 1989 عن 60 سنة، تاركا مكتبة فكرية زاخرة، من أشعار ونصوص مسرحية وروايات .
ومن الدواوين الشعرية التي ترك ياسين مجموعته “مناجاة” 1946، وأخرى بعنوان “أشجار الجزائر المضطهدة” 1948، إلى جانب “ألف عذراء” 1956.
ومن أشهر الروايات التي أصدرها ياسين، روايته “نجمة” 1956، التي ترجمت لعدة لغات، و”المضلع النجمي” التي أصدرها سنة 1966.
كما كتب الراحل العديد من النصوص المسرحية، منها “دائرة القصاص” 1959، و”الرجل ذو النعل المطاطي 1970.
المصدر: أصوات مغاربية