اختتمت محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي الهولندية, جلسات الاستماع العلنية بشأن التبعات القانونية الناشئة عن سياسات الكيان الصهيوني وممارساته في فلسطين المحتلة, بما فيها القدس الشرقية, معلنة عن اصدر رأيها, في جلسة علنية لاحقا, حسب بيان لها, فيما يمضي الاحتلال الصهيوني, ولليوم ال144, في عدوانه الدموي على غزة.
وانتهت مرافعات حوالي 50 دولة و3 منظمات بمطالبة محكمة العدل الدولية تأكيد عدم شرعية الاحتلال الصهيوني على الأراضي الفلسطينية المحتلة والتشديد على ضرورة محاسبته على جرائمه المرتكبة وعلى ممارساته التعسفية التي تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي, إضافة إلى محاسبة جميع الأطراف التي تسانده وتساعده على تكريس وضعه غير القانوني.
وتنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية, السيد عبد المجيد تبون, أكدت الجزائر في مرافعتها أهمية الامتثال للقوانين الدولية المتعلقة بالاحتلال وفرض احترامها, حيث أبرز الأستاذ في القانون الدولي والعضو في لجنة القانون الدولي بالأمم المتحدة, أحمد لعرابة, في عرضه باسم مجموعة الحقوقيين الجزائريين, أن “للجزائر قناعة راسخة بأن اللاعقاب ميزة الظالمين, ومهمتنا هي أن نقول لهم إن هناك قانونا, وإن هذا القانون يجب احترامه, وإنه ليس قانون انتقام بل قانون عدالة”.
واستنكر أحمد لعرابة في مداخلته “السياسات والممارسات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة التي تنتهك القواعد الأساسية لحقوق الإنسان”, مطالبا الهيئات الدولية المختصة بدفع الكيان الصهيوني إلى إنهاء هذا الوضع “المتدهور” أكثر فأكثر خلال الأشهر الأخيرة.
وقال لعرابة إن “الدول الأخرى ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الذي تم خلقه وبعدم تقديم المساعدة للكيان الصهيوني”, وأن هذا الأخير “مرغم على وضع حد لانتهاكات القانون الدولي”, وأن من واجبه اصلاح كل الاضرار التي لحقت بالشعب الفلسطيني.
وعلى نفس الصعيد, قالت فلسطين, في مرافعتها, إن السماح بمواصلة الكيان الصهيوني في ارتكاب عمليات إبادة جماعية في غزة “غير مقبول (..) هناك التزام أخلاقي وقانوني بوضع نهاية سريعة له”, مشددة على ضرورة إنهاء الاحتلال الصهيوني دون شروط.
كما رافعت العديد من الدول الإفريقية لصالح فلسطين, ومنها جنوب إفريقيا التي اكدت أن الكيان الصهيوني ينتهك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها, ودفع سكان غزة إلى “حافة المجاعة (..) الأدلة التي جمعت خلال الأسابيع الـ13 الماضية, تظهر بلا شك نمطا من السلوك والنيات التي تبرر الادعاء المعقول بارتكاب أعمال إبادة”, فيما طالبت مصر المحكمة بتعويض الشعب الفلسطيني عبر وضع حد للاحتلال بشكل فوري ووقف ضم الأراضي وتهجير السكان.
وسجلت روسيا حضورها, من خلال إحاطة شددت فيها على ضرورة إيقاف الكيان خروقاته للقرارات الدولية, والسماح للشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة, فيما قالت الصين “لقد تأخرت العدالة لفترة طويلة, لكن لا ينبغ ي الحرمان منها”, طالبت محكمة العدل الدولي بإبداء رأيها بهذا الشأن.
من جانبها, طالبت تركيا بمحاسبة الاحتلال الصهيوني على كل ممارساته التي تنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي, معارضة تغيير وضع القدس والمسجد الأقصى ومنع المسلمين من الصلاة في الحرم الشريف, فيما أعربت قطر عن رفض “ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي, الذي يعتبر أن بعض الأطفال يستحقون الحماية القانونية فيما يقتل آلاف آخرين (..) وجب احترام القانون الدولي في جميع الظروف, والمحاسبة على جميع الانتهاكات”.
ولم تتخلف دول أمريكا اللاتينية عن الموعد القانوني, ومن بينها البرازيل التي طلبت من المحكمة التأكيد على أن احتلال الكيان الصهيوني للأراضي الفلسطينية “غير قانوني وينتهك التزاماتها الدولية والعديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن”, بينما طالبتها كوبا, ب”ملاحقة الكيان الصهيوني بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في فلسطين وتحميله المسؤولية عن انتهاكات القوانين الدولية بشكل ممنهج في الأراضي الفلسطينية”.
وكان لثلاث منظمات نصيبها من المرافعات في جلسات الاستماع, على غرار منظمة التعاون الإسلامي, التي طلبت من كافة الدول وقف تصدير الأسلحة والذخائر للاحتلال الصهيوني والمستوطنين غير القانونيين الذين يستخدمونها ضد الشعب الفلسطيني, لافتة إلى أن إفلات الكيان من العقاب والعنف غير العادل ضد الفلسطينيين أدى إلى “دوامة جهنمية من الانتقام”.
ومضت الجامعة العربية في نفس السياق, حيث ذكرت بأن الاحتلال الصهيوني يمثل “ازدراء للعدالة الدولية”, داعية محكمة العدل الدولية إلى “تأكيد عدم شرعية هذا الاحتلال والحكم بشكل لا لبس فيه بشأن التبعات القانونية على جميع الأطراف خاصة أولئك الذين يغضون الطرف أو يهيئون الظروف أو يساعدون أو يشاركون بأي شكل من الأشكال في تكريس هذا الوضع غير القانوني”.
وفي مرافعة له, دعا الاتحاد الإفريقي إلى إنهاء الاحتلال الصهيوني ووضع حد لإفلات الأخير من العقاب ومحاسبته على الظلم المرتكب ضد شعب غزة, مشددا على “ضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقه في تقرير مصيره”.
ويذكر أن الكيان الصهيوني لم يشارك في جلسات الاستماع, التي دامت 6 أيام كاملة, في الفترة ما بين 19 و26 فبراير الجاري.
وفي وقت رافعت حوالي 50 دولة داخل قاعة مغلقة عن الحق الفلسطيني, يمضى الاحتلال الصهيوني في سياسته الهمجية والوحشية ضد الفلسطينيين, ليكون الواقع على الأرض دمويا, وبشكل يومي, حيث أدى عدوان قوات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة برا وبحرا وجوا, منذ 7 أكتوبر الماضي, إلى استشهاد 29.878 فلسطينيا, وإصابة و70.215 آخرين, معظمهم من الأطفال والنساء, في حصيلة غير نهائية, إضافة إلى آلاف المفقودين تحت الأنقاض.
ويواصل الكيان الصهيوني استعمال “سياسة التجويع” وسيلة حرب أخرى من أجل تكريس إبادة الشعب الفلسطيني, وبشكل جماعي, من خلال منع وصول المساعدات الإنسانية والغذاء والماء والوقود, وإتلاف المحاصيل الزراعية لمنع الفلسطينيين من التزود بالمواد الحيوية, وقطع الكهرباء ما أدى إلى توقف كامل لمحطات استخراج المياه ومحطات تحليتها ومعالجتها, وخروجها عن الخدمة, وضرب قطاع الصحة ما أسفر عن توقف عمل أغلب المستشفيات والمرافق الطبية.
ورغم دق ناقوس الخطر والتحذيرات الدولية والأممية من حدوث مجاعة في غزة, إلا أن الاحتلال الصهيوني ماض في انتهاك المواثيق والقوانين الدولية وقرارات محكمة العدل الدولية التي طالبته بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة.
Comments: 0