تحل يوم الأربعاء، الذكرى الثالثة والثمانين لميلاد الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش (1941- 2008)، المبدع الذي حمل على عاتقه قضية وطنه فلسطين، ذكرى تتصادف وعدوان صهيوني همجي جديد يريد إبادة شعبه.
فقد ارتبط اسم درويش, الذي ولد في 13 مارس 1941, بالقضية الفلسطينية, حيث أصبح في ال22 من عمره “شاعر مقاومة” بعد إصداره لديوانيه “أوراق الزيتون” (1964) و”عاشق من فلسطين” (1966).
لقد ظلت فلسطين ساكنة في وجدانه وإن كان يتحدث عن تجربة عشق أو حب, لقد أصبح مقرونا بها أينما حل, قصائده الأولى كان ينظر لها على أنها صرخة صادقة ليست من شاعر فحسب ولكن من إنسان يقف على أرض مسلوبة وهو منتفض ضد العدو الصهيوني بقصائد جالت العالم.
هكذا تحولت قصيدة “أمي” إلى أغنية شوق وموقف, اكتنزت أكثر من معنى داخلها, من هي الأم وكيف يراها الشاعر, هل هي والدته التي رثته بقصيدة عامية إثر رحيله, أم هي فلسطين الجريحة, أم هي الأرض قاطبة, يقول درويش أن هذه القصيدة كانت “اعترافا بسيطا لشاعر يكتب عن حبه لأمه, لكنها أصبحت أغنية جماعية”, ويضيف: “عملي كله شبيه بهذا, أنا لا أقرر تمثيل أي شيء إلا ذاتي, غير أن تلك الذات مليئة بالذاكرة الجماعية”.
استقر درويش برام الله منذ عام 1991 آملا في أن تتحرر بلاده قريبا, وقبل تجربة رام الله كان قد عايش تجربة غزة إذ يقول: “صدمتني غزة, لم يكن فيها ولا طريق معبد”, فكيف تراه يجدها اليوم بعد أطنان من القنابل العمياء التي صبها جيش الكيان الصهيوني فوق رؤوس الأطفال والنساء والمسنين, رغبة منهم في محوهم إلى الأبد.
و من أقدر من درويش أيضا ليحكي لنا تجربة الموت, ففي سنة 1984 أجريت له عملية على قلبه يقول عنها: “توقف قلبي دقيقتين, أعطوني صدمة كهربائية, ولكنني قبل ذلك رأيت نفسي أسبح فوق غيوم بيضاء, تذكرت طفولتي كلها, استسلمت للموت وشعرت بالألم فقط عندما عدت إلى الحياة”.
كان درويش شاعر حياة, يستلهمها من الموت ولا يبالي, وكان ينظر إلى العالم ويصفه في كل مرة بما يحز في قلبه وعقله, وما أشبه اليوم بالبارحة: “لا القوة انتصرت/ ولا العدل الشريد”, وأما الآن فالعالم يسمعه وهو يقول: “وحدنا نصغي لما في الروح من عبث ومن جدوى ..” ويجيبه من شعره “كل الذين ماتوا .. نجوا من الحياة بأعجوبة”.
لعل الشاعر الذي تنقل بين عواصم ومدن العالم لاجئا أو زائرا أو مقيما تشبع بتجارب وجودية مختلفة لا يمكنها أن تفر من طقسه الكتابي اليومي كل صباح وهو يتجهز لرصد حالته شعريا, تجارب زادته قوة وإصرار إذ يقول: “أنهم لا يستطيعون تحطيم كلماتي أو احتلالها”.
و لا يمكن الحديث عن درويش دون الحديث عن الجزائر التي كانت سندا كبيرا ودائما للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة, فمن الجزائر العاصمة تم الاعلان ذات نوفمبر من عام 1988 عن اعلان الدولة الفلسطينية، وكان درويش حاضرا في مراسم الاعلان وألقى حينها قصيدته الشهيرة عن حصار المقاومة الفلسطينية ببيروت.
لقد زار درويش الجزائر عدة مرات, وبها صدحت حنجرته بأشهر قصائده, فردد الناس معه “على هذه الأرض ما يستحق الحياة” و”سجل أنا عربي” وغيرها من الروائع الخالدة, كما كان دائما ما يتغنى بها وبثورتها المجيدة, كمثال يحتذي به شعبه وجميع الشعوب الثائرة في هذا العالم.
فقصائد الشاعر عن وطنه وعن جرائم العدو الصهيوني في دير ياسين وبيروت لا زالت تردد في ربوع العالم وشعلة المقاومة والحرية التي عاش من أجلها لا تزال متقدة حتى النصر.
Comments: 0